فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1)}
رُوِيَ أنَّ اليهودَ دَخَلُوا عَلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا مُحَمَّدُ؛ صِفْ لَنَا رَبَّك وانْسِبْه، فإنَّه وَصَفَ نَفْسَه في التوراةِ وَنَسَبها، فارْتَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قولهم حَتَّى خَرَّ مغشيًا عليه، ونَزَلَ جبريلُ بهذهِ السورةِ.
و{أحد} مَعناه: وَأحد فَرْدٌ مِنْ جميعِ جِهَاتِ الوَحْدَانِيَّة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ و{هُوَ} ابتداءٌ، و{الله} ابتداءٌ ثانٍ، و{أحد} خَبَرُه والجملةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقيلَ هو ابتداءُ و{الله} خبرُه و{أحد} بَدَلٌ منه.
وقرأ عمر بن الخطابِ وغَيْرُهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ الواحد الصَّمَدُ} و{الصمد} في كلامِ العربِ السيدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بها وأنْشَدُوا: الطويل:
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدِ ** بِعَمْرِو بْنِ مَسْعَودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ

وبهذا تَتَفَسَّرُ هذه الآيةُ لأَنَّ اللَّهَ تعالى جلت قدرته هُوَ مُوجِدُ المَوْجُودَاتِ وإليهِ تَصْمُدُ وبه قِوَامُها سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد} رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكفارِ في النَّسَبِ الذي سأَلُوه، وقال ابن عباس: تَفَكَّروا في كلّ شَيْءٍ ولا تتفكروا في ذاتِ اللَّه، قال * ع *: لأَنَّ الأفْهَامَ تَقِفُ دونَ ذلكَ حَسِيرَةً.
وقوله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أحد} معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11]، والكُفُؤُ النَّظِيرُ و{كفوًا} خبر كان واسمها {أحد}.
قال * ص *: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ بـ: {كفؤًا} أي: لَمْ يَكُنْ أحد كُفُؤًا لَهُ، وقُدَّمَ اهتمامًا بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحانه، انتهى، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ {قُلْ هُوَ الله أحد} تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن».
قال * ع *: لِمَا فِيهَا مِنَ التوحيدِ، ورَوَى أبو محمدٍ الدارميّ في (مسندهِ) قال: حدثنا عبد اللَّه بن مزيد حدثنا حيوة قال: أخبرنا أبو عقيل، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قرأ: {قُلْ هُوَ الله أحد} إحدى عَشَرَةَ مَرَّةً بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنةِ، ومَنْ قرأها عِشْرينَ مرةً، بُنِيَ له قَصْرَانِ في الجنةِ، ومَنْ قرأها ثَلاثِينَ مرةً؛ بُنِيَ له ثلاثةُ قصورٍ في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذَنْ تَكْثُرُ قصورُنَا يا رسولَ اللَّهِ؛ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أوْسَعُ من ذلك». أي: فَضْلُ اللَّهِ أوْسَعُ مِنْ ذَلك.
قال الدارمي: أبو عقيل هو زهرة بن معبد، وزعموا أنه من الأبْدَالِ، انتهى من التذكرة. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الإخلاص:
مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدّي.
وهي أربع آيات.
وخمس عشرة كلمة.
وسبعة وأربعون حرفًا.
{بسم الله} الذي له جميع الكمال ذي الجلال والجمال {الرحمن} الذي أفاض على جميع خلقه عموم الأفضال {الرحيم} الذي خص أهل وداده من نور الإنعام بالإتمام والأكمال.
واختلف في سبب نزول سورة {قل هو الله أحد} فروى أبو العالية عن أبيّ بن كعب: أنّ المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فنزلت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلى من تدعنا يا محمد؟ فقال: إلى الله تعالى، قال: صفه لنا، أمن ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت، واهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامر من الطفيل بالطاعون.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإنّ الله تعالى أنزل صفته في التوراة فأخبرنا من أي: شيء هو، وهل يأكل ويشرب، ومن ورث ومن يرثه فنزلت.
تنبيه:
هو ضمير الشأن وهو مبتدأ وخبره الله، وأحد بدل أو خبر ثان يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله تعالى على جميع صفات الكمال؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن التركيب والتعدّد وما يستلزم أحدهما كالجسيمة والتحيز والمشاركة في الحقيقة، وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامّة المقضية للألوهية. فائدة: جاء في الواحد عن العرب لغات كثيرة، يقال: وأحد وأحد ووحد ووحيد ووحاد وأحاد وموحد وأوحد، وهذا كله راجع إلى معنى الواحد، وإن كان في ذلك معان لطيفة ولم يجيء في صفات الله تعالى إلا الواحد والأحد.
وقوله تعالى: {الله}، أي: الذي ثبتت إلهيته وأحديته لا غيره مبتدأ خبره {الصمد} وأخلى هذه الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى، أو الدليل عليها. والصمد: السيد المصمود إليه في الحوائج، والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلوهية ولا يشارك فيها وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغني عنهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد هو الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال الربيع: هو الذي لا تعتريه الآفات، وقال مقاتل بن حبان: هو الذي لاعيب فيه، وقال قتادة: هو الباقي بعد فناء خلقه، وقال سعيد بن جبير: هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقال السدّي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب. تقول العرب: صمدت فلانًا أصمده صمدًا بسكون الميم اذا قصدته.
وعن أبيّ بن كعب: هو الذي {لم يلد} لأنّ من يلد سيموت، ومن يرث يورث عنه ففسر الصمد بما بعده. وينبغي أن تجعل هذه التفاسير كلها تفسيرًا واحدًا فإنه متصف بجميعها فكونه لم يلد لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى من يعينه، أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه لدوامه في أبديته، والاقتصار على الماضي لوروده ردّا على من قال الملائكة بنات الله، أو العزيز أو المسيح أو غيره.
ولما بين أنه لا فصل له ظهر أنه لا جنس له فدل عليه بقوله تعالى: {ولم يولد} لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول، فهو قديم لا أوّل له، بل هو الأوّل الذي لم يسبقه عدم لأنّ الولادة تتكوّن ولا تتشخص إلا بواسطة المادّة وعلاقتها وكل ما كان مادّيًا أو كان له علاقة بالمادة كان متولدا عن غيره، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك.
{ولم يكن}، أي: لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير {له}، أي: خاصة {كفوًا}، أي: مثلًا ومساويًا {أحد} على الإطلاق، أي: لا يساويه في قوّة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل، فيكون وجوده متولدا عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأمّ، والفصل الذي يكون كالأب، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه من الوجوه أن يكون في شيء من الولادة، لأنّ وجوب وجوده لذاته فانتفى أن يساويه شيء. وكان الأصل أن يؤخر الظرف؛ لأنه صلة لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدّم تقديمًا للأهمّ، ويجوز أن يكون حالًا من الممتكن في كفؤًا، أو خبرًا، أو يكون كفؤًا حالًا من أحد وعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلهما، لأنّ الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال فهي كالجملة الواحدة.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إياي يقول: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤًا أحد».
وقرأ حمزة بسكون الفاء والباقون بضمها.
وقرأ حفص كفوًا بالواو وقفًا ووصلًا، وإذا وقف حمزة وقف بالواو.
وروي في فضائل هذه السورة أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ {قل هو الله أحد} يردّدها فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقللها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن».
فإن قيل: لم كانت تعدل ثلث القرآن؟
أجيب: بأن القرآن أنزل أثلاثًا ثلث أحكام، وثلث وعد ووعيد، وثلث أسماء وصفات فجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
وقيل: إنها تعدل القرآن كله مع قصر متنها وتقارب طرفيها، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وكفى بذلك دليلًا لمن اعترف بفضلها.
ومنها ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية فكان يقرأ في صلاتهم فيختم ب {قل هو الله أحد} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله تعالى يحبه».
ومنها ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ {قل هو الله أحد} فقال صلى الله عليه وسلم وجبت قلت: ما وجبت؟ قال: الجنة».
ومنها ما روى أنس أيضًا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ {قل هو الله أحد} خمسين مرة غفرت ذنوبه». ومنها ما روى سعيد بن المسيب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ {قل هو الله أحد} عشر مرّات بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرّة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرّة بنى الله له ثلاث قصور في الجنة، فقال عمر: إذن تكثر قصورنا فقال صلى الله عليه وسلم أوسع من ذلك».
ومنها ما رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ {قل هو الله أحد} بعد صلاة الصبح اثنتى عشرة مرّة فكأنما قرأ القرآن أربع مرّات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى». وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ {قل هو الله أحد} في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، وحملته الملائكة بأكفها حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة». وقد أفردت أحاديثها بالتأليف وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب.
ولها أسماء كثيرة، وزيادة الأسماء تدل على شرف المسمى. أحدها: أنها سورة التفريد، ثانيها: سورة التجريد، ثالثها: سورة التوحيد، رابعها: سورة الإخلاص، خامسها: سورة النجاة، سادسها: سورة الولاية، سابعها: سورة النسبة، لقولهم: أنسب لنا ربك، ثامنها: سورة المعرفة، تاسعها: سورة الجمال، عاشرها: سورة المقشقشة، حادي عشرها: سورة المعوذة، ثاني عشرها: سورة الصمد، ثالث عشرها: سورة الأساس، قال: أسست السموات السبع والأرضين السبع على {قل هو الله أحد}، رابع عشرها: المانعة لأنها تمنع فتنة القبر ونفحات النار، خامس عشرها: سورة المحتضر لأنّ الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت، سادس عشرها: المنفرة لأن الشياطين تنفر عند قراءتها، سابع عشرها: سورة البراءة لأنها براءة من الشرك، ثامن عشرها: المذكرة لأنها تذكر العبد خالص التوحيد، تاسع عشرها: سورة النور لأنها تنوّر القلب المكمل للعشرين سورة الإنسان قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال العبد: الله، قال الله: دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي». فنسأل الله تعالى أن يجيرنا من عذابه، ويدخلنا الجنة نحن وجميع الأحباب بغير حساب؛ لأنه كريم حليم وهاب.
وما رواه البيضاوي من أنها تعدل ثلث القرآن فرواه البخاري، ومن أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرؤها إلخ فرواه الترمذي والنسائي وغيرهما. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ هُوَ الله أحد}
الضميرُ للشأنِ ومدارُ وضعِهِ وموضِعِهِ معَ عدمِ سبقِ ذكرِه الإيذانُ بأنَّه منَ الشهرةِ والنباهةِ بحيثُ يستحضرُهُ كلُّ أحد وإليهِ يشيرُ كُلُّ مشيرٍ وإليهِ يعودُ كلُّ ضميرٍ كما ينبئُ عَنْهُ اسمُهُ الذي أصلُهُ القصدُ أطلقَ عَلى المفعولِ مبالغةً ومحلُّه الرفعُ عَلى الابتداءِ خبرُهُ الجملةُ بعدَهُ ولا حاجةَ إلى الربطِ لأَنَّها عينُ الشأنِ الذي عبرَ عَنْهُ بالضميرِ والسرُّ في تصديرِ الجملةِ بهِ التنبيهُ منْ أولِ الأمرِ عَلى فخامةِ مضمونِهَا وجلالةِ حيزِهَا معَ مَا فيهِ منْ زيادةِ تحقيقٍ وتقريرٍ فإنَّ الضميرَ لا يُفهمُ من أولِ الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ لهُ خطرٌ جليلٌ فيبقى الذهنُ مترقبًا لما أمامهُ مما يفسرُهُ ويزيلُ إبهامَهُ فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لَهُ فضلُ تمكنٍ، وهمزةُ أحد مُبدلةٌ منْ الواوِ وأصلُهُ وَحَدٌ لاَ كهمزةِ ما يلازمُ النفيَ ويرادُ بهِ العمومُ كمَا في قوله تعالى: {فَمَا مِنكُم مّنْ أحد عَنْهُ حاجزين} ومَا في قوله عليهِ السلام ما أحلتْ الغنائمُ لأحد سودِ الرؤوسِ غيرِكُم فإنَّها أصليةٌ وقال مكيٌّ: أصلُ أحد وأحد فأبدلتْ الواوُ همزةً فاجتمعَ ألفانِ لأنَّ الهمزةَ تشبهُ الألفَ فحذفتْ أحداهُمَا تخفيفًا.
وقال ثعلبٌ: إنَّ أحد لا يُبنى عليهِ العددُ ابتداءً فلا يقال أحد واثنانِ كَما يقال وأحد واثنانِ ولا يقال رجلٌ أحد كما يقال رجل واحد ولذلكَ اختصَّ بهِ تعالى أوْ هُوَ لما سئِلَ عَنْهُ أيِ الذي سألتُم عنْهُ هُو الله إذ رُوِيَ أنَّ قريشًا قالوا صِفْ لَنَا ربكَ الذي تدعونَا إليهِ وانسُبْهُ فنزلتْ فالضميرُ مبتدأٌ والله خبرُهُ وأحد بدلٌ منْهُ أو خبرٌ ثانٍ أو خبرُه مبتدأٍ محذوفٍ وقرئ هُوَ الله أحد بغيرِ قُلْ وقرئ الله أحد بغيرِ قُلْ هُوَ وقرئ قُلْ هُوَ الواحد وقوله تعالى: {الله الصمد} مبتدأٌ وخبر والصمدُ فَعَلٌ بمَعْنَى مفعولٍ مَنْ يُصمدُ إليهِ إذَا قَصَدَهُ أيْ هُوَ السيدُ المصمودُ إليهِ في الحوائجِ المُسْتغنى بذاتِهِ وَكُلَّ ما عداهُ محتاجٌ إليهِ في جميعِ جهاتِهِ وقيلَ الصمدُ الدائمُ الباقِي الذي لَمْ يزلْ وَلاَ يزالُ وقيلَ الذي يفعلُ مَا يشاءُ ويَحكمُ مَا يريدُ وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ بخلافِ أحديَتِهِ وتكريرُ الإسمِ الجليلِ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى بيَّنَ أولًا ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا تحقيقًا للحقِّ وإرشادًا لهُم إلى سنتِهِ الواضحِ ثُمَّ صرحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ {لَمْ يَلِدْ} تنصيصًا على إبطالِ زعمِ المفترينَ في حقِّ الملائكةِ والمسيحِ ولذلكَ وردَ النفيُ على صيغةِ الماضِي أيْ لَمْ يصدُرْ عنْهُ ولد لأنَّهُ لا يجانسُهُ شيءٌ ليمكنَ أنْ يكونَ لهُ من جنسِهِ صاحبةٌ فيتوالدَ كما نطقَ بهِ قوله تعالى: {أنى يَكُونُ لَهُ ولد وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} ولا يفتقرُ إلى ما يعينُهُ أو يخلفُهُ لاستحالةِ الحاجةِ والفناءِ عليهِ سبحانه: {وَلَمْ يُولد} أيْ لمْ يصدُرْ عنْهُ شيءٌ لاستحالةِ نسبةِ العدمِ سابقًا ولاحقًا والتصريحُ بهِ معَ كونِهِم معرفينَ بمضمونِهِ لتقريرِ ما قبلَهُ وتحقيقه بالإشارةِ إلى أنَّهما متلازمانِ إذِ المعهودُ أنَّ ما يلدُ يولد ومَا لاَ فَلاَ ومنْ قضيةِ الاعترافِ بأنَّهُ لا يلدُ فهو قريبٌ منْ عطفِ لا يستقدمونَ عَلَى لا يستأخرونَ كمَا مرَّ تحقيقُهُ.
{وَلَم يَكُنْ لَّهُ كفوا أحد} أيْ لم يكافئهُ أحد ولَمْ يماثلهُ ولَمْ يشاكلهُ من صاحبةٍ وَغيرِهَا ولَهُ صِلةٌ لكفؤٍ قدمتْ عليهِ معَ أنَّ حَقَّهَا التأخرُ عَنْهُ للاهتمامِ بِهَا لأنَّ المقصودَ نفيُ المكافأةِ عنْ ذاتِهِ تعالى وقدْ جوزَ أنْ يكونَ خبرًا لا صلةَ ويكونَ كُفؤًا حالًا من أحد وليسَ بذاكَ وأما تأخيرُ اسمِ كانَ فلمراعاةِ الفواصلِ ووجهُ الوصلِ بينَ هذهِ الجملِ غنيٌّ عن البيانِ وقرئ بضمِّ الكافِ والفاءِ معَ تسهيلِ الهمزةِ وبضمِّ الكافِ وَكسرِهَا معَ سُكُونِ الفاءِ هَذا ولانطواءِ السورةِ الكريمةِ معَ تقاربِ قُطْريها عَلى أشتاتِ المعارفِ الإلهيةِ والردِّ عَلى منْ ألحَدَ فيهَا وردَ في الحديثِ النبويِّ أنَّها تعدلُ ثلثَ القرآن فإنَّ مقاصدَهُ منحصرةٌ في بيانِ العقائدِ والأحكامِ والقصصِ ومَنْ عَدَلَها لكلمةٍ اعتبرَ المقصودَ بالذاتِ منْهُ.
روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قال: «أسستِ السمواتُ السبعُ والأرضونَ السبعُ عَلى قُلْ هُو الله أحد» أيْ ما خلقتْ إلا لتكونَ دلائلَ عَلَى توحيدِ الله تعالى ومعرفةِ صفاتِهِ التي نطقتْ بها هذِه السورةُ.
وعنهُ عليهِ السلام أنه سمعَ رجلًا يقرأ قُل هُو الله أحد فقال وجبتْ فقيلَ ما وجبتْ يا رسولَ الله قال وجبتْ لَهُ الجنةُ. اهـ.